فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فخرج} أي: فتسبب عن تجبره واغتراره بماله أن خرج {على قومه} أي: الذين نصحوه في الاقتصاد في شأنه والإكثار في الجود على إخوانه وقوله تعالى: {في زينته} فيه دليل على أنه خرج بأظهر زينته وأكملها وليس في القرآن إلا هذا القدر.
والناس ذكروا وجوهًا مختلفة: فقال إبراهيم النخعي أنه خرج هو وقومه في ثياب حمر وصفر، وقال ابن زيد: في تسعين ألفًا عليهم المعصفرات وقال مقاتل: خرج على بلغة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلثمائة جارية بيض عليهنّ الحلي والثياب الحمر على البغال ولما كان كأنه قبل ماذا قال قومه له قيل {قال الذين يريدون الحياة الدنيا} منهم لسفول هممهم وقصور نظرهم على الفاني لكونهم أهل جهل وإن كان قولهم من باب الغبطة لا من باب الحسد الذي هو تمنى زوال نعمة المحسود {يا ليت لنا} أي: نتمنى تمنيًا عظيمًا أن نؤتى من أيّ مؤت كان وعلى أيّ وصف كان {مثل ما أوتي قارون} أي: من هذه الزينة وما تسبب عنه من العلم حتى لا نزال أصحاب أموال، ثم عظموها بقولهم مؤكدين لعلمهم أن ثم من يريدان ينكر عليهم {إنه لذو حظ} أي: نصيب وبخت من الدنيا {عظيم} بما أوتيه من العلم الذي كان سببًا له إلى جمع هذا المال وهؤلاء الراغبون يحتمل أن يكونوا من الكفار وأن يكونوا من المسلمين الذين يحبون الدنيا ودل على جهلهم وفضل العلم الرباني وحقارة ما أوتي قارون من المال والعلم الظاهر الذي أدى إلى اتباعه قوله تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم} وهم أهل الدين قال ابن عباس: رضي الله تعالى عنهما يعني الأحبار من بني إسرائيل، وقال مقاتل: أوتوا العلم بما وعد الله في الآخرة فقالوا للذين تمنوا {ويلكم} ويل: أصله الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما يضر، وهو منصوب بمحذوف أي: ألزمكم الله ويلكم {ثواب الله} أي: الجليل العظيم {خير} أي: من هذا الحطام الذي أوتيه قارون في الدنيا بل من الدنيا وما فيها ومن فاته الخير حل به الويل، ثم بينوا مستحقه تعظيمًا له وترغيبًا للسامع في حاله بقولهم {لمن آمن وعمل} تصديقًا لإيمانه {صالحًا} ثم بين تعالى عظمة هذه النصيحة وعلو قدرها بقوله تعالى: {ولا يلقاها} أي: هذه النصيحة التي قالها أهل العلم وهي الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله أو الجنة المثاب بها {إلا الصابرون} أي: على أداء الطاعات والاحتراز عن المحرّمات وعلى الرضا بقضاء الله في كل ما قسم من المنافع والمضار الذين صار الصبر لهم خلقًا، ولما تسبب عن نظره هذا الذي أوصله إلى الكفر بربه أخذه بالعذاب أشار إلى ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {فخسفنا} أي: بمالنا من العظمة {به وبداره الأرض} روي أنه كان يؤذي موسى عليه الصلاة والسلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه كل وقت ولا يزيد إلا عتوًا وتجبرًا ومعاداة لموسى حتى بنى دارًا وجعل بابها من الذهب وضرب على جدرانها صفائح الذهب وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويضاحكونه.
قال ابن عباس: نزلت الزكاة على موسى عليه السلام فأتاه قارون فصالحه عن كل ألف دينار بدينار، وعن كل ألف درهم بدرهم، وعن كل ألف شاة بشاة، فلم تسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل وقال: لهم إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا فأمرنا بما شئت قال: آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلًا حتى تقذف موسى بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فدعاها فجعل لها قارون ألف درهم، وقيل ألف دينار، قيل طشتًا من ذهب، وقيل قال لها إني أمونك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدًا إذا حضر بنو إسرائيل فلما كان من الغد وكان يوم عيد لهم قام موسى عليه السلام خطيبًا فقال: من سرق قطعناه ومن زنى غير محصن جلدناه ومن زنى محصنًا رجمناه فقال له قارون ولو كنت أنت قال ولو كنت أنا قال إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال: ادعها فإن قالت فهو كما قالت فلما أن جاءت قال: لها موسى يا فلانة أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء فعظم عليها وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت فتداركها الله تعالى بالتوفيق وقالت في نفسها أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله فقالت لا كذبوا ولكن جعل لي قارون جعلًا على أن أرميك بنفسي فخرّ موسى ساجدًا يبكي ويقول: اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى الله تعالى إليه إني أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت فقال موسى: عليه السلام يا بني إسرائيل إنّ الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليلبث مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا ولم يبق مع قارون إلا رجلان ثم قال موسى: يا أرض خذيهم فأخذت الأرض بأقدامهم، وفي رواية كان على فراشه وسريره فأخذته حتى غيبت سريره ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وقارون وصاحباه في كل ذلك يتضرعون إلى موسى ويناشده قارون بالله والرحم، حتى روي أنه ناشده سبعين مرّة وموسى في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدّة غضبه ثم قال: يا أرض خذيهم فانطبقت عليهم الأرض فأوحى الله تعالى إليه ما أغلظ قلبك استغاث بك سبعين مرة فلم ترحمه وعزتي وجلالي لو دعاني مرة واحدة لأجبته، وفي بعض الآثار لا أجعل الأرض بعدك طوعًا لأحد، قال قتادة: خسف به فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة قال: وأصبح بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم إن موسى إنما دعا على قارون ليستبدّ بداره وكنوزه فدعا الله تعالى حتى خسف بداره وبأمواله، فإياكم يا أمة هذا النبيّ أن تردوا ما أتاكم به من الرحمة فتهلكوا، وإن كنتم أقرب الناس إليه فإن قارون كان من أقارب موسى عليه السلام فإن الأنبياء عليهم السلام كما أنهم لا يوجدون الهدى في قلوب العدا فكذلك لا يمنعونهم من الردى ولا يشفعون إلا لمن ارتضى {فما} فتسبب عنه أنه ما {كان له} أي: لقارون، وأكد النفي لما استقر في الأذهان أن الأكابر منصورون بزيادة الجار في قوله تعالى: {من فئة} أي: أعوان وأصل الفئة الجماعة من الطير كأنها سميت بذلك لكثرة رجوعها وسرعتها إلى المكان الذي ذهبت منه {ينصرونه من دون الله} أي: غيره بأن يمنعوا عنه الهلاك {وما كان من المنتصرين} أي: الممتنعين منه من قولهم نصره من عدوه فانتصر إذا منعه منه فامتنع ولما خسف به واستبصر الجهال الذين هم كالبهائم لا يرون إلا المحسوسات ذكر حالهم بقوله: {وأصبح} أي: وصار ولكنه ذكره لمقابلة المساء {الذين تمنوا} أي: أرادوا إرادة عظيمة بغاية الشفقة أن يكونوا {مكانه} أي: تكون حاله ومنزلته في الدنيا لهم {بالأمس} أي: الزمان الماضي القريب وإن لم يكن يلي يومهم الذي هم فيه فالأمس قد يذكر ولا يراد به اليوم الذي قبل يومك ولكن الوقت المستقرب على طريق الاستعارة {يقولون ويكأنّ الله يبسط} أي: يوسع {الرزق لمن يشاء من عباده} بحسب مشيئته وحكمته لا لكرامته عليه {ويقدر} أي: يضيق على من يشاء لا لهوان من يضيق عليه بل لحكمته وقضائه ابتلاء منه وفتنة ووي اسم فعل بمعنى أعجب أي: أتى والكاف بمعنى اللام، وهذه الكلمة والتي بعدها متصلة بإجماع المصاحف.
واختلف القراء في الوقف فالكسائي وقف على الياء قبل الكاف، ووقف أبو عمرو على الكاف، ووقف الباقون على النون وعلى الهاء، وحمزة يسهل الهمزة في الوقف على أصله، وأما الوصل فلا خلاف فيه بينهم ولما لاح لهم من واقعته أن الرزق إنما هو بيد الله اتبعوه ما دل على أنهم اعتقدوا أيضًا أن الله قادر على ما يريد من غير الرزق كما هو قادر على الرزق من قولهم {لولا أن منّ الله} أي: تفضل الملك الأعظم {علينا} بجوده ولم يعطنا ما تمنيناه من الكنوز على مثل حاله {لخسف بنا} مثل ما خسف به {ويكأنه لا يفلح الكافرون} لنعمة الله تعالى كقارون والمكذبين لرسله وبما وعد لهم من ثواب الآخرة وقوله تعالى: {تلك الدار الآخرة} إشارة تعظيم وتفخيم لشأنها أي: تلك الدار التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها، وتلك مبتدأ والدار صفته والخبر {نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض} بالبغي {ولا فسادًا} بعمل المعاصي فلم يعلق تعالى الوعد بترك العلو والفساد ولكن بترك، إرادتهما وميل القلوب إليهما كما قال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} فعلق الوعيد بالركون، وعن علي رضي الله تعالى عنه أن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها، وعن الفضيل أنه قرأها ثم قال ذهبت الأماني ههنا، وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه أنه كان يرددها حتى قبض، قال الزمخشري: ومن الطماع من يجعل العلو لفرعون والفساد لقارون متعلقًا بقوله تعالى: {أن فرعون علا في الأرض} وبقوله تعالى: {ولا تبغ الفساد في الأرض} فيقول من لم يكن مثل فرعون وقارون فله تلك الدار الآخرة ولا يتدبر قوله تعالى: {والعاقبة} أي: المحمودة {للمتقين} أي: عقاب الله تعالى بعمل طاعته كما تدبره علي والفضيل وعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهم، ولما بيَّن تعالى أن الدار الآخرة ليست لمن يريد علوًا في الأرض ولا فسادًا بل هي للمتقين بين بعد ذلك ما يحصل فقال تعالى: {من جاء بالحسنة فله خير منها} من عشرة أضعاف إلى سبعين إلى سبعمائة ضعف إلى ما لا يحيط به إلا الله تعالى: {ومن جاء بالسيئة} وهي ما نهى الله تعالى عنه ومنه إخافه المؤمنين {فلا يجزى} أي: من أيّ جاز وأظهر ما في هذا الفعل من الضمير العائد على من بقوله تعالى: {الذين عملوا السيئآت} تصويرًا لحالهم وتقبيحًا لهم وتنفيرًا من عملها {إلا} جزاء {ما كانوا يعملون} أي: مثله وهذا من فضل الله العظيم وكرمه الواسع أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها ويجزي الحسنة بأكثر منها كما مرّ، فإن قيل قال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها}.
كرر ذكر الإحسان واكتفى في ذكر الإساءة بمرة واحدة فما السبب في ذلك؟.
أجيب: بأن هذا المقام مقام ترغيب في الدار الآخرة فكانت المبالغة في النهي عن المعصية مبالغة في الدعوة إلى الآخرة، وأما الآية الأخرى فهي شرح حالهم فكانت المبالغة في ذكر محاسنهم أولى، فإن قيل كيف أنه تعالى لا يجزي السيئة إلا بمثلها مع أن المتكلم بكلمة الكفر إذا مات في الحال عذب أبد الآبار؟
أجيب: بأنه كان على عزم أنه لو عاش أبدًا لقال ذلك فعومل بمقتضى عزمه.
{إن الذي فرض} أي: أنزل {عليك القرآن} قاله أكثر المفسرين، وقال عطاء: أوجب عليك العمل بالقرآن، وقال أبو عليّ: فرض عليك أحكامه وفرائضه {لرادّك إلى معاد} أي: معاد ليس لغيرك من البشر وهو المقام المحمود الذي وعدك أن يبعثك فيه وتنكير المعاد لذلك، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس يعني إلى الموت، وقال الزهري وعكرمة: إلى يوم القيامة، وقيل إلى الجنة.
وروى العوفي عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما يعني إلى مكة وهو قول مجاهد، وقال القتيبي: معاد الرجل بلده ينصرف ثم يعود إلى بلده وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار مهاجرًا إلى المدينة سار في غير الطريق مخافة الطلب فلما أمن ورجع إلى الطريق ونزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة اشتاق إليها فأتاه جبريل عليه السلام فقال: اشتقت إلى بلدك ومولدك قال: نعم قال: فإنّ الله تعالى يقول: {أن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد} قال الرازي: وهذا أقرب لأنّ ظاهر المعاد أنه كان فيه وفارقه وحصل له العود إليه وذلك لا يليق إلا بمكة وإن كان سائر الوجوه محتملًا لكن ذلك أقرب، قال أهل التحقيق: وهذا آخر مما يدل على نبوته لأنه أخبر عن الغيب ووقع كما أخبر فيكون معجزًا ونزل جوابًا لقول كفار مكة إنك لفي ضلال مبين {قل} أي: للمشركين {ربي أعلم من جاء بالهدى} وما يستحقه من الثواب في المعاد يعني نفسه {ومن هو في ضلال مبين} يعنيهم وما يستحقونه من العذاب في معادهم فهو الجائي بالهدى وهم في الضلال، تنبيه: من جاء منصوب بمضمر أي: يعلم أو بأعلم أن جعلناها بمعنى عالم وأعملناها إعماله.
{وما كنت ترجو} أي: في سالف الدهر بحال من الأحوال {أن يلقى} أي: ينزل على وجه لم تقدر على رده {إليك الكتاب} أي: يوحى إليك القرآن، قال البيضاوي أي: سيردك إلى معاد كما ألقى إليك الكتاب وما كنت ترجوه وهو ظاهر على أن المراد بالمعاد مكة وقوله تعالى: {إلا رحمة} استثناء منقطع أي: لكن ألقى إليك الكتاب رحمة {من ربك} أي: فأعطاك القرآن، وقيل: متصل قال الزمخشري: هذا كلام محمول على المعنى كأنه قيل وما ألقي إليك الكتاب إلا رحمة فيكون استثناء من الأحوال أو من المفعول له {فلا تكونن ظهيرًا} أي: معينًا {للكافرين} على دينهم الذي دعوك إليه، قال مقاتل: وذلك حين دعي إلى دين آبائه، فذكره الله تعالى نعمه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه.
{ولا يصدنك عن آيات الله} أي: قراءتها والعمل بها {بعد إذ نزلت إليك} أي: لا ترجع إليهم في ذلك {وادع} أي: أوجد الدعاء {إلى ربك} أي: إلى عبادته وتوحيده {ولا تكونن من المشكرين} أي: بإعانتهم، ولم يؤثر الجازم في الفعل لبنائه بخلافه في يصدنك فإنه حذف منه نون الرفع إذ أصله يصدوننك حذفت نون الرفع للجازم ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين.
{ولا تدع} أي: تعبد {مع الله} أي: الجامع لجميع صفات الكمال {إلهًا آخر} فإن قيل: هذا وما قبله لا يقع منه صلى الله عليه وسلم فما فائدة ذلك النهي؟
أجيب: بأنه ذكر للتهييج وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم أو أن الخطاب وإن كان معه لكن المراد غيره كما في قوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك}.
ثم علل ذلك بقوله تعالى: {لا إله إلا هو} أي: لا نافع ولا ضار ولا معطى ولا مانع إلا هو كقوله تعالى: {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلًا}.
فلا يجوز اتخاذ إله سواه، ثم علل وحدانيته بقوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} أي: ذاته فإنّ الوجه يعبر به عن الذات، قال أبو العالية: إلا ما أريد به وجهه، وقيل: إلا ملكه، واختلفوا في قوله تعالى: {هالك} فمن الناس من فسر الهلاك بإخراجه عن كونه منتفعًا به بالإماتة أو بتفريق الأجزاء وإن كانت أجزاؤه باقية فإنه يقال هلك الثوب وهلك المتاع ولا يريدون به فناء أجزائه بل خروجه عن كونه منتفعًا به، ومنهم من قال: معنى كونه هالكًا كونه قابلًا للهلاك في ذاته فإن كل ما عداه تعالى ممكن الوجود قابل للعدم فكان قابلًا للهلاك فأطلق عليه اسم الهالك نظرًا إلى هذا الوجه وعلى هذا يحمل قول النسفي في بحر الكلام سبعة لا تفنى: العرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار بأهلهما من ملائكة العذاب والحور العين والأرواح {له الحكم} أي: القضاء النافذ في الخلق {وإليه} وحده {ترجعون} أي: في جميع أحوالكم في الدنيا وبالنشور من القبور للجزاء في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم، وما رواه البيضاوي تبعًا للزمخشريّ من قوله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة طسم القصص كان له من الأجر بعدد من صدّق بموسى وكذب ولم يبق ملك في السموات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه كان صادقًا»، حديث موضوع. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)}.
قوله: {قُلْ أَرَءيْتُمْ} أي أخبروني {إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَدا} السرمد: الدائم المستمرّ، من السرد، وهو المتابعة فالميم زائدة، ومنه قول طرفة:
لعمرك ما أمري عليك بغمة ** نهاري ولا ليلي عليك بسرمد

وقيل: إن ميمه أصلية، ووزنه فعلل لا مفعل، وهو الظاهر، بيّن لهم سبحانه أنه مهّد لهم أسباب المعيشة ليقوموا بشكر النعمة؛ فإنه لو كان الدهر الذي يعيشون فيه ليلًا دائمًا إلى يوم القيامة لم يتمكنوا من الحركة فيه، وطلب ما لابد لهم منه مما يقوم به العيش من المطاعم والمشارب والملابس.